فصل: ثم دخلت سنة ثمان وعشرين وأربعمائة

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: المنتظم في تاريخ الملوك والأمم **


 ثم دخلت سنة ست وعشرين وأربعمائة

أنـه تجـدد في المرحم ورود العرب المتلصصة إلى أطراف البلاد في الجانب الغربي وحدث منهم أنهم إذا أسروا من أسروه أخذوا ما معه وطالبوه يفتدي نفسه‏.‏

ثم ظهر قوم من العيارين ففتكوا وقتلوا فنهض أبو الغنائم بن علي فقتل منهم نفس فعاودوا الخروج وقتلوا رجلين وقاتلوا أبا الغنائم وتتابعت العملات والاستفقاء وأخذ ما يحضر من جمال السقائيـن وبغالهـم ونهض أبو الغنائم ففتك وأخذ وقتل ثم عاد الفساد وحصل العيارون في دور الأتراك والحواشي يخرجون منها ليلًا ويقيمون فيها نهارًا وسقطت الهيبة بإهمال ما أهمل من الأمـر وكتـب العيـارون رقاعًا يقولون فيها‏:‏ إن صرف أبو الغنائم عنا حفظنا البلد وإن لم يصرف فما نترك الفساد‏.‏

واتفق أن غلامًا كبس قراحًا للخليفة ونهب من ثمرته فامتعض الخليفة من ذلك وكوتب الملك والوزيـر بالقبض على هذا الغلام وتأديبه فوقع التواني عن ذلك لضعف الهيبة فزاد غيظ الخليفة فأمر القضاة بالامتناع عن الحكـم والفقهـاء بتـرك الفتـاوى والخطبـاء بـأن لا يحضـروا أملاكـًا ولا يعقدوا عقدًا وعمل على إغلاق باب الجامع ومنـع الصلـاة فحمـل الغلـام ووكـل بـه ثـم أطلـق وعادت الفتن وكثر القتل ومنع أهل سوق يحيى حمل الماء من دجلة إلـى أهـل بـاب الطـاق والرصافة وخذل الأتراك والسلطان في هذه الأمـور حتـى لـو حاولـوا دفـع فسـاد زاد وملـك وفـي مستهـل صفـر‏:‏ زاد ماء المد في دجلة البصرة حتى علا على الضياع نحو ذراعين وسقط بالبصرة في هذا اليوم وليلته أكثر من ألفي دار‏.‏وفـي شعبـان‏:‏ وصـل كتـاب مـن الأميـر مسعـود بـن محمـود بـن سبكتكيـن بفتح فتحه بالهند ذكر فيه أنـه قتـل مـن القوم خمسين ألفًا وسبى سبعين ألفًا وغنم منهم ما يقارب ثلاثين ألف ألف درهم فرجع وقد أفسد الغزو بلاده فأوقع بهم وفتح جرجان وطبرستان‏.‏

ووثب أبو الحسن بن أبي البركات بن ثمال الخفاجي على عمه فقتله وأقام بإمارة بني خفاجة‏.‏

ثم اشتد أمر العيارين وكاشفوا بالإفطار في رمضان وشرب الخمر وارتكاب الفجور‏.‏

وفي شوال‏:‏ وقع حريق في وسط العطارين احترق فيه عـدة دور ودكاكيـن ومخـازن ونهـب العيارون من أموال الناس وما كانوا يحصلونه من منازلهم وخانباراتهم ما يزيد على عشرة آلاف دينار وكانت النهابة تنقل النار من موضع إلى موضع فتجعل ذلك طريقًا إلـى النهـب وعـاد القتـال بيـن أهـل المحـال وكثـرت العملـات وأعيـا الخـرق على الراقع وقال الملك‏:‏ أما أركب بنفسي في هذا الأمر‏.‏

ولم يحج الناس في هذه السنة كمن خراسان ولا العراق‏.‏

أحمد بن كليب الأديب الشاعر أخبرنا عبد الله بن المبارك الحافظ أخبرنا أبو عبد الله محمد بن أبي نصر الحميـدي قـال‏:‏ حدثني أبو محمد علي بن أحمد الفقيه الحافظ أخبرنا أبو عبد الله محمد بن الحسن المذحجي الأديـب قـال‏:‏ كنـت أختلـف فـي النحـو إلـى أبـي عبـد اللـه محمـد بن خطاب النحوي في جماعة أيام الحداثة وكان معنا أسلم بن أحمد بن سعيد بن قاضي قضاة الأندلس قال محمد بن الحسن‏:‏ وكـان مـن أجمـل مـن رأتـه العيون وكان معنا عند محمد بن خطاب أحمد بن كليب وكان من أهل الـأدب والشعـر فاشتد كلفه بأسلم وفارق صبره وصرف فيه القول مستترًا بذلك إلى أن فشت أشعاره فيه وجرت على الألسنة وتنوشدت في المحافل فلعهدي بعرس فـي بعـض الشـوارع والنكوري الزامر في وسط المحافل يزمر بقول أحمد بن كليب في أسلم‏:‏ وأسلمني فـي هـواه أسلم هذا الرشا غـزال له مقلة يصيب بها مـن يشـا وشى بيننا حاسد يسـأل عما وشى فلو شاء أن يرتشي على الوصل روحي رشا ومغن محسن يسايره فلما بلغ هذا المبلغ انقطع عن جميع مجالس الطلب ولزم بيته والجلوس على بابه وكان أحمد بن كليب لا شغل له إلا المرور على باب دار أسلم سائرًا أو مقبلًا نهاره كله فانقطـع أسلـم مـن الجلـوس علـى بـاب داره نهـارًا فـإذا صلى المغرب واختلط الظلام خرج مستروحـًا وجلـس علـى بـاب داره فعيـل صبـر أحمـد بـن كليـب فتحيـل في بعض الليالي ولبس جبة صـوف من جباب أهل البادية واعتم بمثل عمائمهم وأخذ بإحدى يديه دجاجًا وبالأخرى قفصًا فيه بيض كأنه قدم من بعض الضياع ونحن جلوس مع أسلم عند اختلاط الظلام على بابه فتقدم إليه وقبل يده وقال‏:‏ يا مولاي من يقبض هذا فقال له أسلم‏:‏ من أنت فقال‏:‏ أجيرك في الضيعـة الفلانيـة‏.‏

وقـد كـان يعـرف أسمـاء ضياعه والعاملين فأمر أسلم غلمانه بقبضذلك منه على عادتهم في قبـول هدايـا العامليـن فـي ضياعهـم ثـم جعـل يسألـه عـن أحـوال الضيعـة‏.‏

فلمـا جاوبـه أنكـر الكلام فتأمله فعرفه فقال له‏:‏ يا أخي وإلى ها هنا تتبعني أما كفاك انقطاعي عـن مجالـس الطلـب وعـن الخـروج جملـة وعـن القعود على بابي نهارًا حتى قطعت علي جميع مالي فيه راحة فقـد صـرت فـي سجنـك واللـه لا فارقـت بعـد هـذه الليلـة قعـر منزلـي ولا جلست بعدها على بابي ليلًا ولا نهارًا ثم قام وانصرف أحمد بن كليب حزينًا كئيبًا‏.‏

قال محمد‏:‏ واتصل بنا ذلك فقلنا لأحمد بن كليب‏:‏ قد خسرت دجاجك وبيضك فقال‏:‏ هات كل ليلة قبلة يده وأخسر أضعاف ذلك فلما يئس من رؤيته البتة نهكته العلة وأضجعه المرض قـال محمـد بـن الحسـن‏:‏ فأخبرنـي شيخنا محمد بن خطاب قال‏:‏ عدته فوجدته بأسوأ حال فقلت له‏:‏ لم لا تتداوى فقال‏:‏ دوائي معروف وأما الأطباء فلا حيلة لهم في البتة فقلت له‏:‏ فما دواؤك قال‏:‏ نظرة من اسلم فلو سعيت في أن يزورني لأعظم الله أجرك بذلك وأجره قال‏:‏ فرحمتـه وتقطعـت نفسـي لـه فنهضـت إلى أسلم فاستأذنت عليه فأذن لي وتلقاني بما يجب فقلت له‏:‏ لي حاجة فقال‏:‏ وما هي قلت‏:‏ قد علمت ما جمعك مع أحمد بن كليب من ذمام الطلب عنـدي‏.‏

فقـال‏:‏ نعـم ولكـن قـد تعلـم أنـه بـرح بـي وشهـر اسمي وآذاني فقلت له‏:‏ كل ذلك يغتفر في مثـل هـذه الحـال التـي هـو فيهـا والرجـل يمـوت فتفضـل بعيادتـه فقـال لـي‏:‏ واللـه مـا أقـدر على ذلك فلا تكلفني هـذا‏.‏

فقلـت لـه‏:‏ لا بـد مـن ذلـك فليـس عليـك فيـه شـيء وإنمـا هـي عيـادة مريـض

قـال‏:‏ ولـم يزل به حتى أجاب فقلت له‏:‏ فقم الآن قال‏:‏ لست والله أفعل ولكن غدًا‏.‏

فقلت له‏:‏ ولا خلـف قـال‏:‏ نعـم فانصرفت إلى أحمد بن كليب فأخبرته بوعده بعد تأبيه فسر بذلك فارتاحت نفسـه فلمـا كـان مـن الغـد بكـرت إلـى أسلـم وقلـت له‏:‏ الوعد‏.‏

فوجم وقال‏:‏ والله لقد تحملني على خطة صعبة علي وما أدري كيف أطيق ذلك‏.‏

قال‏:‏ فقلت له‏:‏ لا بد أن تفـي بوعـدك لـي فقال‏:‏ فأخذ رداءه ونهض معي راجلًا فلما أتينا منزل أحمد بن كليب وكان يسكن في درب طويـل وتوسـط الزقـاق وقـف واحمر وخجل وقال لي‏:‏ يا سيدي الساعة والله أموت وما أستطيع أن أنقل قدمي ولا أستطيع أن أعرض هذا على نفسي‏.‏

فقلت‏:‏ لا تفعل بعد أن بلغت المنزل تنصرف قال‏:‏ لا سبيل والله إلى ذلك البتة قال‏:‏ ورجع هاربًا فاتبعته وأخذت بردائه فتمادى وتمـزق الرداء وبقيت قطعة منه في يدي لمده وإمساكي له ومضى ولم أدركه فرجعت ودخلت علـى أحمـد بـن كليب قال‏:‏ وقد كان غلامه دخل عليه إذ رآني من أول الزقاق مبشرًا قال‏:‏ فلما رآني تغير وجهه وقال‏:‏ أين أبو الحسن‏.‏

فأخبرته بالقصة فاستحال من وقته واختلط وجعل يتكلم بكلام لا يعقل منه أكثر من الاسترجاع فاستبشعت الحال وجعلت أتوجع وقمت قال‏:‏ فثاب إليه ذهنه فقال‏:‏ يا أبا عبد الله اسمع مني واحفظ مني ثم أنشأ يقول‏:‏ اسلم يا راحة العليل رفقًا على الهائـم النحيـل وصلك أشهى إلى فؤادي مـن رحمـة الخالـق الجليل قال‏:‏ فقلت له‏:‏ اتق الله ما هذه الخطة العظيمة فقال‏:‏ قد كان قال‏:‏ فخرجت عنه فوالله ما توسطت الزقاق حتى سمعت الصراخ عليه وقد فارق الدنيا‏.‏

قـال الحميـدي‏:‏ قـال لنا أبو محمد‏:‏ وهذه قصة مشهورة عندنا ومحمد بن الحسن ثقة وأسلم هذا مـن بنـي خالد وكانت فيهم وزارة وحجابة وأبوه الآن في الحياة يكنى أبا الجعد قال أبو محمد‏:‏ ولقد ذكرت هذه الحكاية لأبي عبد الله محمد بن سعيد الخولاني الكاتب فعرفها وقال‏:‏ لقد أخبرنـي الثقـة أنـه رأى أسلـم هـذا فـي يـوم شديـد المطر لا يكاد أحد يمشي في طريق وهو جالس علـى قبـر أحمـد بـن كليـب المذكـور زائـرًا لـه قـد تحيـن غفلـة النـاس في مثل ذلك اليوم قال الحميدي‏:‏ وأنشدنـي أبـو محمـد علـي بن أحمد قال‏:‏ أنشدني محمد بن عبد الرحمن النحوي لأحمد بن كليب وقد أهدى إلى أسلم كتاب الفصيح لثعلب‏:‏ هذا كتاب الفصيح بكل لفظ مليح وهبتـه لك طوعًا كما وهبتك روحي الحسن بن أحمد بن إبراهيم بن الحسن بن محمد بن شاذان بن حرب أبو علي البزاز بن مهران ولـد فـي ربيع الأول سنة تسع وثلاثين وثلثمائة وسمع عثمان بن أحمد الدقاق والنجاد والخلدي وخلقًا كثيرًا وكان ثقة صدوقًا‏.‏

أخبرنا أبو منصور القزاز أخبرنا أبو بكر بن ثابت قال‏:‏ حدثني محمد بن يحيى الكرماني قال‏:‏ كنـا يومـًا بحضـرة أبـي علـي بـن شـاذان فدخـل علينـا شـاب لا يعرفه منا أحد فسلم وقال‏:‏ أيكم أبو علي بن شاذان فأشرنا إليه فقال له‏:‏ أيها الشيخ رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم في المنام فقال لي‏:‏ سل عن أبي علي بن شاذان فإذا لقيته فأقرئه السلام ثم انصـرف الشـاب فبكـى أبـو علـي وقـال‏:‏ مـا أعـرف لي عملًا أستحق به هذا اللهم إلا أن يكون صبري على قراءة الحديث علي وتكرير الصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم كلما جاء ذكره قال‏:‏ ولم يلبث أبو علي بعد ذلك إلا شهرين أو ثلاثة حتى مات‏.‏

توفي في محرم هذه السنة ودفن في مقبرة باب الدير‏.‏

الحسن بن عثمان بن أحمد بن الحسن بن سورة أبو عمر الواعظ ابن الفلو ولـد فـي ربيـع الآخـر سنـة سبـع وأربعين وثلثمائة وسمع الحديث من جماعة وكان يعظ وله بلاغة وفيه كرم‏.‏

أخبرنا أبو منصور القزاز أخبرنا أبو بكر أحمد بن علي وأخبرنا ابن ناصر أخبرنا ابن خيرون قال‏:‏ أخبرنا أحمد بن الحسن المعدل قال‏:‏ أنشدنا أبو عمر ابن الفلو لنفسه‏:‏ دخلت على السلطان في دار عزه بفقر ولم أجلب بخيل ولا رجل وقلت انظروا ما بين فقري وملككم بمقـدار مـا بيـن الولايـة والعزل توفـي ليلـة الأحـد الرابـع عشـر مـن صفـر فـي هـذه السنـة وصلـى عليـه بجامـع المدينة ودفن بمقبرة باب حرب إلى جنب أبي الحسين بن السماك‏.‏

ابن شيطا سمع أبا بكر الشافعي قال أبو بكر الخطيب‏:‏ كتبت عنه وكان ثقة وتوفي في صفر هذه السنة‏.‏

الحسين بن عمر بن محمد بن أحمد بن عبد الله أبو عبد الله العلاف أخبرنا القزاز أخبرنا أبو بكر الخطيب قال‏:‏ قال لنا الحسن بن عمر‏:‏ ولدت في يوم الخميس الثالـث مـن شـوال سنـة إحدى وأربعين وثلثمائة قال‏:‏ وسمع أبا بكر الشافعي ويحيى بن وصيف وأحمد بن جعفر بن سلم كتبنا عنه وكان ثقة يسكن الجانب الشرقي في درب السقائين قريبًا من سوق السلاح وتوفي في رجب هذه السنة‏.‏

حمزة بن يوسف بن إبراهيم بن موسى بن إبراهيم أبو القاسم الجرجاني روى الحديث الكثير توفي في هذه السنة‏.‏

عبد الله بن أحمد بن إبراهيم بن الحسن بن محمد ابن شاذان أبو محمد الصيرفي سمـع أبا بكر بن مالك القطيعي وغيره وكان صدوقًا توفي في شعبان هذه السنة ودفن بمقبرة باب الدير‏.‏

عمر بن إبراهيم بن إسماعيل أبو الفضل بن أبي سعد الزاهد مـن أهـل هراة ولد سنة ثمان وأربعين وثلثمائة قدم بغداد فحدث بها عن أبي بكر الإسماعيلي وأبي أحمد الغطريفي قال الخطيب‏:‏ كتبنا عنه وكان ثقة وتوفي بهراة في هذه السنة‏.‏

 ثم دخلت سنة سبع وعشرين وأربعمائة

فمن الحوادث فيها‏:‏ أن العيارين كبسوا في المحرم دار بلوربك التركي بباب خراسان وأخذوا ما فيها‏.‏

ورد أبو محمد النسوي إلى باب البصرة لكشف العملة فأخذ هاشميًا فقتله فثار أهل الموضع ورفعوا المصاحف على القصب ومضوا إلى دار الخلافة وجرى خطب طويل‏.‏

وكانت قنطرة الشوك قد سقطت على نهر عيسى فبقيت مدة فأمر الملك بعمارتها فتكامل وفـي صفـر‏:‏ تقـدم الخليفـة بتـرك التعامـل بالدنانيـر المغربيـة وأمـر الشهـود أن لا يشهـدوا في كتاب ابتياع ولا إجازة ولا مداينة يذكر فيها هذا الصنف فعدل الناس إلى القادرية والنيسابورية والقاشانية‏.‏

وفي ليلة الثلاثاء ثاني ربيع الآخر‏:‏ دخل العيارون البلد في مائة رجل من الأكراد والأعراب والسواد فأحرقوا دار ابن النسوي وفتحوا خانًا وأخذوا ما فيه خرجوا إلى الطريق والكارات على رؤوسهم‏.‏

وفـي ربيـع الآخـر نقـل أبـو القاسـم بـن ماكـولا الوزيـر بعد أن قبض عليه وسلم إلى المرتضى إلى دار المملكـة فمـرض ويئـس منـه فروسـل الخليفـة فـي معنـى أخيه قاضي القضاة أبي عبد الله بن ماكولا وقيـل‏:‏ هو يعرف أمواله فدافع عنه الخليفة وحامى وكاد ت الحال من الأتراك تشرف على أحد حاليـن‏:‏ إمـا تسليمـه وإمـا خـرق لا يتلافـى فكتـب إلـى الخليفـة فـي حقـه فحـرج فـي الجـواب أنـه لـم يبق من أمرنا إلا هذا الناموس في حراسة من عندنا وهو لكم لا لنا وهذا القاضي لم يتصرف تصرفـًا سلطانيـًا يلزمـه فيه تبعة ثم زاد الأمر في ذلك وروجع الخليفة فكتب إلى حاجب رقعة قـال فيها قد زاد الأمر في اطراح مراقبتنا وإسقاط حشمتنا وصار الأولى أن نغلق بابنا وندبر أمرنـا بمـا نحرس سبه جاهنا فأمسك عن المراجعة ثم إن الجند شغبوا على جلال الدولة وقالوا‏:‏ إن البلد لا يحتملنا وإياك فاخرج من بيننا فإنه أولى لك فقال‏:‏ كيف يمكنني الخروج على هذه الصورة أمهلوني ثلاثة أيام حتى آخذ حرمي وولدي وأمضي فقالوا‏:‏ لا نفعل ورموه بآجرة في صـدره فتلقاهـا بيـده وأخرى في كتفه فاستجاش الملك الحواشي والعوام وكان المرتضى والزينبي والمـاوردي عنـد الملـك فاستشارهـم فـي العبور إلى الكرخ كما فعل في المرة الأولى فقالوا‏:‏ أليس الأمر كما كان وأحداث الموضع قد ذهبوا وحول الغلمان خيمهم إلى ما حول الدار إحاطة بها وبات الناس على أصعب خطة فخرج الملك نصف الليل إلى زقاق غامض فنزل إلى دجلة فقعد في سميرية فيها بعض حواشيه فغرقوها تقديرًا أنه فيها ومضى الملك مستترًا إلى دار المرتضى وبعث حرمه إلى دار الخليفة ونهب الجند دار المملكة وأبوابها وساجها ورتبوا فيها حفظـة فكانـت الحفظـة تخربهـا نهـارًا وتنقل ما اجتمع من ذلك ليلًا وراسل الجند الخليفة في قطع خطبة جلال الدولة فقيل لهم‏:‏ سننظر ثم خرج الملك إلى أوانا ثم إلى كرخ سامرا ثم خرجوا إليه واعتذروا وصلحت الحال‏.‏

وفـي جمـادى الآخـرة‏:‏ وردت ظلمـة طبقـت البلـد حتى لم يشاهد الرجل صاحبه الماشي بين يديه وأخذت بالأنفاس حتى لو تأخر انكشافها لهلك كثير من الناس‏.‏

وفي ضحوة نهار يوم السبت لثمان بقين من رجب‏:‏ انقض كوكب غلب ضوؤه على ضوء  ذكر من توفي في هذه السنة من الأكابر

الحسن بن وهب بن موصلايا الكاتب المجود توفي في هذه السنة علي أبو الحسن بن الحاكم صاحب مصر الظاهر لإعزاز دين الله توفـي يـوم الأحـد النصـف من شعبان هذه السنة وكان عمره ثلاثين سنة إلا شهرًا فكانت ولايته ست عشرة سنة وتسعة أشهر وولي بعده ولده ولقب المستنصر بالله‏.‏

محمد بن إبراهيم بن أحمد أبو بكر الأردستاني أخبرنا القزاز أخبرنا الخطيب قال‏:‏ كان الأردستاني يسكن أصبهان وكان رجلًا صالحًا يكثر السفـر إلـى مكـة ويحـج ماشيـًا وحدث ببغداد عن الدارقطني وغيره وكان ثقة يفهم الحديث قال‏:‏ وبلغنا أنه مات بهمذان في سنة سبع وعشرين وأربعمائة‏.‏

محمد بن الحسين بن عبيد الله بن عمر بن حمدون أبو يعلى الصيرفي ولد في سنة ثلاث وسبعين وثلثمائة وسمع أبا الفضل الزهري وكان ثقة فهمـا يعلـم القـراآت والنحو وتوفي ليلة الجمعة الثامن والعشرين من ذي الحجة من هذه السنة ودفـن بمقبـرة بـاب حرب‏.‏

 ثم دخلت سنة ثمان وعشرين وأربعمائة

فمن الحوادث فيها‏:‏ أن الخليفة خلع علـى أبـي تمـام محمـد بـن محمـد بـن علـي الزينبـي وقلـده مـا كـان إلـى أبيـه أبـي الحسـن مـن نقابة العباسيين والصلاة‏.‏

ثم تجدد شغب من الجند على جلال الدولة ثم آل الأمر في هذه السنة إلى أن قطعوا خطبته وخطبـوا للملـك كاليجـار ثـم عادوا وخطبوا لهما ثم صلحت حال جلال الدولة وحلف الخليفة له وقبض على ابن ماكولا ووزر أبو المعالي بن عبد الرحيم‏.‏

وفـي ربيع الآخر‏:‏ ورد كتاب من فم الصلح ذكر فيه أن قومًا من أهل الجبل وردوا وحكوا أنهم مطروا مطرًا كثيرًا في أثنائه سمك وزن بعضه رطل ورطلان‏.‏

وكان صاحب مصر قد بعث مالًا لينفقه على نهر بالكوفة فجاء أهل الكوفة يستأذنون الخليفة فجمـع الفقهـاء لذلـك فـي جمادى الآخرة فقالوا‏:‏ هذا مال من فيء المسلمين وصرفه في مصالحهم صواب فأذن في ذلك‏.‏

وفـي ليلـة السبـت لتسـع بقيـن مـن جمـادى الآخـرة‏:‏ ثـار جماعـة من العيارين فكبسوا الحبس بالشرقية وقتلوا بضعة عشر نفسًا من رجالة المعونة ثم عادوا فـي ذي الحجـة فكثـروا وأخـذوا بغـال السقائين وثياب القصارين وانبسطوا انبساطًا زائدًا عن الحد‏.‏

 ذكر من توفي في هذه السنة من الأكابر

أحمد بن محمد بن أحمد بن جعفر أبو الحسن القدوري الفقيه الحنفي ولد سنة اثنتين وستين وثلثمائة‏.‏

أخبرنا القزاز أخبرنا أبو بكر الخطيب قال‏:‏ سمع القدوري من عبيد الله بن محمد الجوشي ولم يحدث إلا بشيء يسير كتبت عنه وكان صدوقًا وكان ممن أنجب في الفقه لذكائه وانتهت إليه بالعراق رياسة أصحاب أبي حنيفة وارتفع جاهه وكان حسن العبارة في النظر مديمًا لتلاوة القرآن وتوفي يوم الأحد الخامس من رجب هذه السنة ودفن من يومه في داره بدرب أبي خلف‏.‏

الحسن بن شهاب بن الحسن بن علي بن شهاب أبو علي العكبراوي ولد بعكبرا في محرم سنة خمس وثلاثين وثلثمائة وسمع الحديث على كبر من أبي علي بن الصواف وأبي علي الطوماري وابن مالك القطيعـي وكـان فقيهـًا فاضـلًا يتفقـه علـى مذهـب أحمد وكان يقرأ القراآت ويعرف الأدب ويقول الشعر قال البرقاني هو ثقة أمين‏.‏

أخبرنـا أبـو منصـور القـزاز أخبرنـا أبـو بكـر بـن ثابت أخبرنا عيسى بن أحمد الهمذاني قال‏:‏ قال لي أبـو علـي بـن شهـاب يومـًا‏:‏ أرنـي خطـك فقـد ذكر لـي انك سريع الكتابة فنظر فيه فلم يرضه وقال لـي‏:‏ كسبـت فـي الوراقـة خمسـة وعشريـن ألـف درهـم راضيـة وكنـت أشتري كاغدا بخمسة دراهم فأكتـب فيـه ديـوان المتنبـي فـي ثلـاث ليـال وأبيعه بمائتي درهم وأقله بمائة وخمسين درهمًا قال ابن ثابـت‏:‏ وسمعـت الأزهـري يقـول‏:‏ أخـذ السلطـان من تركة بن شهاب ما قدره ألف دينار سوى ما خلفـه مـن الكروم والعقار وكان أوصى بثلث ماله لمتفقهة الحنابلة فلم يعطوا شيئًا توفي في ليلة النصف من رجب هذه السنة‏.‏

المحتسب سمع أبا بكر الشافعي وكان ثقة سكن شارع باب الرقيق وتوفي في جمادى الأولى من هذه السنة‏.‏

عثمان بن محمد بن يوسف بن دوست أبو عمرو العلاف هو أخو عبد الله وكان الأصغر ولد سنة اثنتين وأربعين وثلثمائة وسمع النجاد وكان صدوقًا توفي في صفر هذه السنة‏.‏

لطف الله بن أحمد بن عيسى أبو الفضل الهاشمي كان ذا لسان وولي القضاء والخطابة وسكن بدرزنجان وأضر وكان يروي حكايات وأناشيد من حفظه‏.‏

أخبرنا القزاز أخبرنا الخطيب قال‏:‏ أنشدنا لطف الله بن أحمد قال‏:‏ أنشدنا أبو الحسن عمر بن أحمد النوقاتي السجزي لنفسه‏:‏ وإني لأعرف كيف الحقوق وكيـف يبـر الصديـق الصديق ورحب فؤاد الفتى محنـة عليه إذا كان فـي الحـال ضيـق توفي لطف الله في هذه السنة‏.‏

محمد بن أحمد بن محمد بن أبي موسى واسم أبي موسى عيسى بن أحمد بن موسى بن محمد بن إبراهيم بن عبد الله بن معبد بن العباس بن عبد المطلب أبو علي الهاشمي القاضي ولد في ذي القعدة سن خمس وأربعين وسمع محمد بن المظفر وأبا الحسين بن سمعون وكان ثقة وهو أحد فقهاء أصحاب أحمد بن حنبل وكان يدرس ويفتي وله تصانيف على مذهب أحمد قال أبو علي‏:‏ ضاق بي الأمر مرة قبعت جلًا داري وإذا رجل قد دخل علي فأنشد‏:‏ ليس من شدة تصيبك إلا سوف تمضي وسوف تكشف كشفا لا يضـق ذرعـك الرحيـب فإ ن النـار يعلـو لهيبهـا ثـم تطفا قـال التميمـي‏:‏ دخلـت علـى أبـي علـي فـي مرضـه فقـال لـي‏:‏ اسمـع منـي الاعتقـاد ولا تشـك فـي عقلي فما رأيت الملكين بعد‏.‏

وتوفي يوم الأحد الثالث من ربيع الآخر من هذه السنة ودفن بباب حرب‏.‏

محمد بن الحسن بن أحمد بن محمد بن موسى أبو الحسين الأهوازي ولـد فـي سنـة خمـس وأربعيـن وثلثمائـة وقدم إلى بغداد من الأهواز وخرج له أبو الحسن النعيمي أجزاء من حديثه وسمع منه البرقاني إلا أنه بان كذبه‏.‏

أخبرنـا عبـد الرحمـن بـن محمـد أخبرنـا أحمـد بـن علـي حدثنـا أبـو الوليـد الحسن بن محمد الدربندي قال‏:‏ سمعت أبا نصر أحمد بن علي بن عبدوس يقول‏:‏ كنا نسمي ابن أبي علي الأصبهاني جراب الكذب‏.‏

أقام الأهوازي ببغداد سبع سنين ثم خرج إلى الأهواز ووصل الخبر بوفاته في هذه السنة‏.‏

محمد بن علي أبو الحسن الزينبي نقيب العباسيين توفي بداء الصرع في هذه السنة وقلد ابنه أبو تمام ما كان إليه‏.‏مهيار بن مرزويه أبو الحسن الكاتب الفارسي كان مجوسيًا فأسلم سنة أربع وتسعين وثلثمائة وصار رافضيًا غاليًا وفي شعره لطف إلا أنه يذكر الصحابة بما لا يصلح‏.‏

قال له أبو القاسم ابن برهان‏:‏ يا مهيار انتقلت بإسلامك في النار من زاوية إلى زاوية قال‏:‏ وكان منزله بدرب رياح بالكرخ وكانت امرأة تخدمه فكنست الغرفة فوجدت خيطًا فإذا هو خيـط هميـان فيـه مـال وكـان قـد نزل الدار قوم من الخراسانية الحاج فأخبرته فلم يتغير وقال لها‏:‏ قد تعبت حتى خبأته فلماذا نبشته وكان فيه ألف دينار وسعي به إلى جلال الدولة فقبض عليه ثم أطلقه‏.‏

ومن مستحسن شعره قوله‏:‏ أستنجد الصبر فيكم وهو مغلوب وأسأل النوم عنكم وهو مسلوب وأبتغي عندكم قلبًا سمعت به وكيف يرجع شيء وهو موهوب ومنها‏:‏ ما كنت أعرف ما مقدار وصلكم حتى هجرتم وبعض الهجر تأديب وله‏:‏ أجيراننا بالغور والركـب متهـم أيعلـم حـال كيـف بات المتيم رحلتم وعمر الليل فينا وفيكم سواء ولكن ساهرون ونوم تناءيتـم من ظاعنين وخلفوا قلوبًا أبت أن تعرف الصبر عنكم ولما جلا التوديع عمـا حذرتـه ولـم يبـق إلا نظرة تتغنم ولما رأيت شعره مستحسنًا كله اقتصرت على ما ذكرت‏.‏توفي في جمادى الآخرة من هذه السنة‏.‏

هبة الله بن الحسن أبو الحسين الحاجب كان من أهل الفضل والأدب والتدين وله شعر مستحسن‏:‏ أخبرنا عبد الرحمن بن محمد القزاز أخبرنا أحمد بن علي بن ثابت قال‏:‏ أنشدني أبو الحسين الحاجب لنفسه‏:‏ يـا ليلـة سلـك الزمان بطيبها في كـل مسلـك إذ أرتعي روض المسرة مدركًا ما ليـس يـدرك والبـدر قـد فضـح الظـلام فستره فيه مهتك وكأنما زهـر النجـوم بلمعهـا شعل تحرك والغيم أحيانًا يلـوح كأنه ثوب ممسك وكـأن تجعيـد الرياح لدجلـة ثوب مفرك وكـأن نشـر المسـك ينفح فـي النسيم إذا تحرك والنور يبسم في الريا ض فإن نظرت إليه سرك شارطت نفسي أن أقو م بحقها والشرط أملك حتـى تولـى الليـل منهزمـًا وجاء الصبح يضحـكواه الفتى لو أنه فـي ظـل طيـب العيش يترك والمرء يحسب عمره فـإذا أتـاه الشيـب فذلـك توفي هبة الله فجأة في رمضان هذه السنة رحمه الله‏.‏

 ثم دخلت سنة تسع وعشرين وأربعمائة

فمن الحوادث فيها‏:‏ أنـه ورد الكتـاب مـن عكبـرا بـأن قومـًا مـن أهلهـا اجتمعـوا في ليلة الميلاد لإشعال النار على عادتهم فـي ذلـك وصعـدت طائفـة منهـم إلى روشن في المكان وتكاثروا عليه فسقط على الباقين فمات ثلاثة وأربعون نفسًا منهم ست نسوة إحداهن حبلى‏.‏

وفـي يـوم الجمعـة التاسـع مـن جمـادى الأولـى‏:‏ حضـر أبـو الحسـن ابـن القزويني الزاهد الجامع والخطيب علـى المنبـر فاختلـط النـاس بيـن لـآت معـه وناهـض لتلقيـه ومتشـوق إلـى رؤيته ووقع الصياح فظن قوم أنه للصلاة فقاموا ووقفوا طويلًا إلى أن عرفوا الحال فجلسوا وقعد القزويني عند المنبر فلما قضيت الصلاة وضع منبر من وراء الشباك دون المقصورة فوقف عليـه ابـن المذهـب الواعـظ فحمـد اللـه وأثنى عليه وقرأ أحاديث الرؤية‏:‏ ‏"‏ أنكم ترون ربكم ‏"‏‏.‏

فناداه ابن التميمي الواعظ أذكر في كل باب حديثًا فلم يلتفت إلى قوله فقام التميمي فتخطا رقاب الناس وصعد على المنبر وأخذ الكتاب من يده وقرأ أحاديث الصفات ثم التفت إلى ابن القزويني فقال‏:‏ إن رأى الشيـخ الزاهـد أن يقـول قـولًا تسمعـه الجماعـة فيروونـه عنـه‏.‏

فقـال‏:‏ بلغهـم عنـي أن القرآن كلام الله وإن الجوال بدعة والمتكلمين على ضلالة فذكر نحو هذا‏.‏

وفـي رجـب حلف جلال الدولة للملك أبي كاليجار وحلف له أيضًا أن لا يجري من أحدهما ما يؤذي الآخر‏.‏

وفـي سلخ رجب‏:‏ جمع الأشراف والقضاة والشهود والفقهاء والوجوه إلى بيت النوبة واستدعى جاثليق النصاري ورأس جالوت اليهود وخرج توقيع الخليفة في أمر العيار وإلزام أهل الذمة إياه وكـان فـي التوقيـع‏:‏ ‏"‏ بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم أمـا بعـد فإن الله تعالى بعزته التي لا تحاول وقدرته التي لا تطاول اختار الإسلام دينًا وارتضاه وشرفه وأعلاه وبعث به محمدًا واجتباه وأذل من ناواه فقال تعالى‏:‏ ‏{‏وجعل كلمة الذين كفروا السفلى وكلمة الله هي العليا والله عزيز حكيم‏}‏ وقـال‏:‏ ‏{‏ليظهره على الدين كله‏}‏ وأميـر المؤمنيـن يـرى أن مـن أقـرب الوسائل إلى الله به بقاء ما كان حافظًا للشرع ومجددًا لمعالمه وقد كان الخلفاء الراشدون فرضوا على أهـل الذمـة المعاهديـن حدودًا معقودة على الاستشعار والأخبات والاستكانة والتفرد عن المسلمين أعظامًا للإسلـام وأهله ولما تطرق على هذه السنة الإغفال واستمر فيها الإهمال اطرحت هذه الطائفة دواعي الاحتراس وتشبهت بالمسلمين في زيهم فرأى أمير المؤمنين الإيعاز إلى جميع أهل الذمة بتغيير اللباس الظاهر مما يعرفون به عند المشاهدة فليعلم ذلك من رأي أمير المؤمنين ‏"‏ فقالوا‏:‏ السمع والطاعة‏.‏

وفـي رمضان‏:‏ استقر أن يزاد في ألقاب جلال الدولة شاهنشاه الأعظم ملك الملوك فأمر الخليفة بذلك فخطب له به فنفر العامة ورموا الخطباء بالآجر ووقعت فتنة وكتب إلى الفقهاء في ذلك فكتب أبو عبد الله الصيمري الحنفي أن هذه الأسماء يعتبر فيها القصد والنية وقد قال اللـه تعالـى‏:‏ ‏{‏إن الله قد بعث لكم طالوت ملكًا‏}‏ وقال تعالى‏:‏ ‏{‏وكان وراءهم ملك‏}‏ وإذا كان في الأرض طول جاز أن يكون بعضهم فوق بعض لتفاضلهم في القوة والإمكان وجائز أن يكون بعضهم أعظم من بعض وليس في ما يوجب التكبر ولا المماثلة بين الخالق والمخلوقين‏.‏

وكتب أبو الطيب الطبري أن إطلاق ملك الملوك جائز ويكون معنـاه ملـك ملـوك الـأرض فـإذا جازان يقال كافي الكفاة وقاضي القضاة جاز ملك الملوك فإذا كان في اللفظ ما يدل على أن المراد به ملوك الـأرض زالـت الشبهـة وفيـه قولهـم‏:‏ اللهـم أصلـح الملـك فينصـرف الكلـام إلـى المخلوقين‏.‏

وكتب نحو ذلك وقد حكي عن قاضي القضاة أبي الحسن الماوردي أنه كتب قريبًا من ذلك وذكر محمد بن عبد الملك الهمذاني المؤرخ أن الماوردي منع من جواز ذلك وكان مختصًا بخدمة جلال الدولة فلما امتنع عن الكتابة انقطع عن خدمته واستدعاه جلال الدولة بكرة يوم العيد فمضـى علـي وجل شديد يتوقع المكروه فلما دخل على الملك قال له‏:‏ أن أتحقق أنك لو حابيت أحـدًا لحابيتنـي لمـا بينـي وبينـك مـع كونك أكثر الفقهاء مالًا وأوفاهم جاهًا وحالًا وما حملك على مخالفتي إلا الدين وقد قربك مني وزاد محلك في قلبي وقدمتك على نظائرك عندي‏.‏

قال المصنف‏:‏ الذي ذكره الأكثرون في جواز أن يقال ملك الملوك هو القياس إذا قصد به ملوك الدنيا إلا أني لا أرى إلا ما رآه الماوردي لأنه قد صح في الحديث ما يدل على المنع ولكـن الفقهاء المتأخرين عن النقل بمعزل‏.‏

أخبرنـا هبـة اللـه بـن محمـد بـن الحصيـن أخبرنـا الحسن بن علي بن المذهب أخبرنا أبو بكر بن مالك القطيعي حدثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل قال‏:‏ حدثني أبي حدثنا سفيان عن أبي الزناد عـن الأعـرج عـن أبـي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال‏:‏ ‏"‏ أخنع اسم عند الله يوم القيامة رجل تسمى بملك الأملاك ‏"‏‏.‏

قال أحمد‏:‏ سألت أبا عمر والشيباني عن أخنع فقال‏:‏ أوضع‏.‏

أخرجه البخاري عن علي وأخرجه مسلم عن الإمام أحمد كلاهما عن سفيان وقال سفيان‏:‏ هو مثل شاهنشاه‏.‏وأخرجه مسلم من حديث همام عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال‏:‏ ‏"‏ أغيظ رجل على الله يوم القيامة واخبثه رجل يسمى ملك الأملاك لا ملك إلا الله ‏"‏‏.‏

وأخبرنا ابن الحصين أخبرنا ابن المذهب أخبرنا أحمد بن جعفر حدثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل قال‏:‏ حدثني أبي حدثنا محمد بن جعفر حدثنا عوف عن الخلـاس عـن أبـي هريـرة قـال‏:‏ قـال‏:‏ رسـول اللـه صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏ اشتد غضب الله على رجل قتله نبيه واشتد غضب الله على رجل تسمى بملك الأملاك لا ملك إلا الله سبحانه وتعالى ‏"‏‏.‏

 ذكر من توفي في هذه السنة من الأكابر

ابن الباقرحي ولد سنة خمس وستين وثلثمائة وفي في ربيع الآخر من هذه السنة وكان صدوقًا‏.‏

الحسين بن أحمد بن سفيان أبو علي العطار قال الخطيب كتبت عنه وكان صدوقًا وتوفي في هذه السنة‏.‏

علي بن الحسين بن مكرم أبو القاسم صاحب عثمان توفي في هذه السنة وقام ابنه مقامه‏.‏

محمد بن عمر بن الأخضر الداوودي ولد سنة ثلاث وخمسين وثلثمائة وكان ثقة كثير السماع يفهم الحديث توفي في شوال هذه السنة‏.‏

 ثم دخلت سنة ثلاثين وأربعمائة

فمن الحوادث فيها‏:‏ أنـه فـي ليلـة الثلاثـاء لسـت بقيـن مـن ربيـع الآخـر سقـط ثلـج بجانبـي مدينـة السلـام مـن وقـت العتمـة إلى نصف الليل وعلا على وجه الأرض قدر شبر فرماه الناس من سطوحهم بالرفوش وبقي أيامًا في الدروب‏.‏

وفي جمادى الآخرة ملك سلجوق خراسان والجبل وهرب مسعود بن محمود بن سبكتكين وأخذوا الدولة واستولى طغرل بك أبو طالب محمد وأخوه داود ونيروز أولاد ميكائيل على البلاد وتقسموا الأطراف‏.‏

وفـي يوم الثلاثاء لتسع بقين من جمادى الآخرة وكان العشرين من آذار‏:‏ وافى حر شديد كاشد ما يكون في حزيران وتموز فلما كان يوم الثلاثاء والأربعاء بعدهما جاء برد شديد جمد منه الماء‏.‏

وفـي يـوم الخميـس مـن شعبـان‏:‏ جلـس الخليفـة وخلع على قاضي القضاة أبي عبد الله الحسين بن علـي بن ماكولا خلع التشريف قريبًا مما طرقه من المصيبة بالوزير أبي القاسم أخيه وقرئ توقيع جميل في أمره‏.‏

وفي يوم السبت النصف من هذا الشهر‏:‏ قبل قاضي القضاة أبو عبيد الله شهادة أبي محمد وفي هذه السنة‏:‏ خوطب أبو منصور ابن جلال الدولة بالملك العزيز وكان مقيمًا بواسط وبه انقرض ملك بن بويه‏.‏

ولم يحج الناس في هذه السنة من خراسان والعراق ومصر والشام كثير أحد‏.‏

 ذكر من توفي في هذه السنة من الأكابر

أحمد بن عبد الله بن أحمد بن إسحاق أبو نعيم الأصبهاني

الحافظ سمع الكثير وصنف الكثير وكان يميل إلى مذهب الأشعري ميلًا كثيرًا‏.‏

أنبأنا محمد بن ناصر أنبأنا أبو زكريا يحيى بن عبد الوهاب ابن مندة قال‏:‏ سمعت أن أبا بكر أحمـد بـن علـي بـن ثابـت كـان يقـول‏:‏ كان أبو نعيم يخلط المسموع له بالمجاز ولا يوضح أحدهما من الآخـر قـال أبـو زكريـا‏:‏ وسمعت أبا الحسين القاضي يقول‏:‏ سمعت عبد العزيز النخشبي يقول‏:‏ لم يسمع أبو نعيم مسند الحارث بتمامه من أبي بكر ابن خلاد فحدث به كله‏.‏

توفي أبو نعيم في ثاني عشر محرم من هذه السنة‏.‏

الحسن بن أحمد بن محمد بن عمر بن الحسن أبو محمد المعدل ولـد فـي سنـة تسـع وستيـن وثلثمائـة وحـدث عـن محمـد بـن المظفر‏.‏

وكان صدوقًا ينزل درب سليم من الجانب الشرقي توفي في صفر هذه السنة‏.‏

الحسن بن أحمد بن محمد بن الحسن بن حمزة أبو علي الخطيب البلخي ولد سنة أربع وثلاثين وثلثمائة وحدث ببغداد وكان صدوقًا توفي ببلخ في هذه السنة‏.‏

الحسن بن جعفر أبو الفتوح العلوي أمير مكة توفي في هذه السنة‏.‏

الحسن بن الحسين أبو علي الرخجي وزر لمشـرف الدولـة أبـي علـي بـن بهـاء الدولـة سنتيـن ثم عزل وكان في زمان عطلته عظيم الجاه وتوفـي فـي هـذه السنـة وقـد قارب الثمانين وكان قد قيل‏:‏ إن واسط خالية عن مارستان وهي مصر من الأمصار الكبار وتجاورها البطائح وأعمالها فاختار موضعًا فجعله مارستانًا وأنفق عليـه جملـة وافـرة وفتـح فـي سنـة ثلـاث عشـرة وحملـت إليـه الأدويـة ورتـب لـه الخـزان والأطباء ووقف عليـه الوقـوف وتولـى إثـارة أمـوال فخـر الملـك أبـي غالـب من غير ضرب بعصا فاستخرجها بألطف شيء وكان فخر الدولة قد أودع أقوامًا ولحن أسمائهـم وكنـى عـن ألقابهـم فكـان فيهـا عنـد الكوسـج اللحيانـي عشـرون ألـف دينـار وعنـد بسـرة بقمعهـا ثلاثـون ألـف دينار فلم يعرف من هذان فدخـل عليـه رجـل كـان يتطايـب لفخـر الملك ويأنس به وكان يلقبه الكوسج اللحياني لكثافة الشعر فـي أحـد عارضيـه وخفتـه فـي الآخر فدخل إلى الرخجي متظلمًا من جار له متقربًا إليه بخدمة فخـر الملـك فقـال لـه‏:‏ يـا مولانـا إنـه كـان يطلعنـي فخر الملك على أسراره ويلقبني بالكوسج اللحياني فقال لأصحابه لا تفارقوه إلا بعشرين ألف دينار وتهدده بالعقوبة فحملها بختومها ثم تفكر في قولـه عنـد بسـرة بقمعهـا فقـال‏:‏ هـم الصابـئ فأحضـر هلـال بـن المحسن فخاطبه سرًا وكان هذا أحد كتـاب فخـر الملـك فلـم ينكـر فقـال لـه‏:‏ قـم أيهـا الرئيس آمنًا ولا تظهر هذا الحديث لأحد وأنفق المال على نفسك وولدك ثـم حضـر ابـن الصابـئ علـى أبـي سعـد بـن عبـد الرحيـم فـي وزارتـه فقـال لـه‏:‏ قـد عرفت ما دار بينك وبين الرخجي وأنت تعلم حاجتي إلى الحبة الواحدة وتاولي على من لا معاملـة بينـي وبينـه ولا يسبقنـي الرخجي إلى مكرمة وما كنت لأنكب مثلك والصواب أن تشتغل بتاريخ أخبار الناس فاشتغل ابن الصابئ من ذلك الوقت بتاريخه الذي ذيله على تاريخ سنان فاستخدمه الملوك فلم يحتج إلى إنفاق شيء من المال وخلف ولده أبا الحسن غرس النعمة وخلـف لـه أملاكـًا نفيسـة علـى نهـر عيسـى وأنفـق مقتصـدًا فـي النفقـة وعمـر الأملـاك ولـم يطلـع أحد من أولـاده علـى حالـه وظن أولاده أن تركته تقارب الألف دينار فوجدوا له تذكرة تشتمل على دفائن فـي داره فحفروهـا فكانـت اثنـي عشـر ألـف دينـار وكـان مـا خلفه من القماش وغيره لا يبلغ خمسين دينارًا وأنفق أولاده التركة في أسرع زمان‏.‏

الحسين بن محمد بن الحسن بن علي أبو عبد الله المؤدب وهـو أخـو أبـي محمـد الخلـال سمـع أبـا حفـص بن الزيات وأبا الحسن بن البواب وسافر إلى خراسان فسمع صحيح البخاري من إسماعيل بن محمد بن حاجب الكشميهيني وتوفـي فـي جمـادى الأولـى فـي هذه السنة ودفن بمقبرة باب حرب‏.‏

عبيد الله بن منصور بن علي بن حبيش أبو القاسم المقرئ الغزال من أهل الحربية‏.‏

أخبرنا القزاز أخبرنا الخطيب أنه كان شيخًا صالحًا ثقة ظاهر الخشوع كثير البكـاء عنـد الذكر وأقعـد فـي آخـر عمـره سألتـه عـن مولـده فقـال‏:‏ سنـة تسـع وأربعيـن وثلثمائـة وتوفي في صفر هذه السنة ودفن بمقبرة باب حرب‏.‏

ابن مهران ولـد فـي شـوال سنـة تسع وثلاثين وسمع النجاد ودعلج بن أحمد والآجري وغيرهم وكان يسكن درب الديوان من الجانب الشرقي بالقرب من جامع المهدي وكان صدوقًا ثبتًا وكان يشهد عند الحكـام قديمـًا ثـم تـرك الشهـادة رغبـة عنهـا وتوفـي فـي ربيـع الآخـر مـن هـذه السنـة وصلـى عليـه بجامع الرصافـة وكـان الجمـع يفـوت الإحصـاء ودفـن فـي مقبرة المالكية إلى جانب أبي طالب المكي وصية منه بذلك‏.‏

محمد بن الحسين بن خلف أبو خازم القاضي أبي يعلى ابن الفراء سمع أبا الفضل الزهري وعلي بن عمر السكري وأبا عمر بن حيويه والدارقطني وابن شاهين وغيرهم‏.‏

أخبرنا أبو منصور القزاز أخبرنا أبو بكر بن علي بن ثابت قال‏:‏ كتبنا عن أبي خازم وكان لا بأس به رأيت له أصولًا سماعه فيها ثم بلغنا عنه أنه خلط في التحديث بمصر واشترى من الوراقيـن صحفـًا فـروى منهـا وكـان يذهـب إلـى الاعتـزال ومات بتنيس في يوم الخميس سابع عشر محرم هذه السنة‏.‏

أبو الحسن اليعقوبي حـدث عـن أبـي القاسـم ابـن الصيدلاني وولي القضاء ببعقوبًا والحسبة ببغداد وكان ثقة وقتله أبو الشوك أمير الأكراد في ربيع الأول من هذه السنة‏.‏

محمد بن عبيد الله أبو بكر الدينوري الزاهد وكان يسكن بغداد ناحية الرصافة وكان حسن العيش وكان أبو الحسن القزوينـي يقـول عبـر الدينوري قنطرة خلف من بعده وراءه وكان السلطان جلال الدولة يأتيه فيزوره وسأله يومًا في ضريبة الملح كانت كـل سنـة ألفـي دينـار فتركهـا السلطـان وتوفـي فـي ليلـة الأحـد لسبـع بقيـن مـن شعبـان هذه السنة واجتمع الناس من أقطار البلد وصلي عليه في جامع الرصافة ثم حمل إلى جامع المدينة صلي عليه ثم جامع الحربية أيضًا ودفن في مقبرة باب حرب‏.‏

هبة الله بن علي بن جعفر أبو القاسم ابن ماكولا وزر لجلـال الدولـة أبـي طاهـر مـرارًا وكـان حافظًا للقرآن عارفًا بالشعر والأخبار وخنق بهيت في جمادى الآخرة من هذه السنة‏.‏

بن الظريف أبو الرضا أخبرنا محمد بن ناصر عن أبي زكريا التبريزي قال‏:‏ أنشدني أبو العلاء المعري لابن الظريف‏.‏

يا قالة الشعر قد نصحت لكم ولسـت أدهـى إلا مـن النصح قد ذهب الدهر بالكرام وفـي ذاك أمور طويلة الشرح وتطلبون النوال من رجـل قد طبعـت نفسـه علـى الشـح وأنتم تمدحون بالحسـن وال ظرف وجوهًا في غايـة القبـح وأنتـم تمدحـون بالجود وال بذل لئامًا في غاية الشح مـن أحـل ذا تحرمـون رزقكم لأنكم تكذبون في المـدح صونوا القوافي فمـا أرى أحـدًا يغتر فيـه الرجـاء بالنجـح فـإن شككتـم فيمـا أقـول لكـم فكذبوني بواحد سمـح ويروى لابن ظريف‏.‏ومخطف الخصر مطبوع على صلف عشقته ودواعي البيـن تعشقـه فكيف أطمع منه في مواصلـة وكل يوم لنا شمـل يفرقـه